scholarly journals الاستطاعة في الشريعة الإسلامية ..تحديد وتأصيل

Author(s):  
قاسم سعد

الاستطاعة من معالم ديننا الحنيف، التي تنبثق من خصائصه العامة، وهي مَناط التكليف. وشرائع السماء مبناها على الإطاقة، لكن بغي الناس قبلنا أوقعهم في العَنَت والشدة، إلا أن شريعتنا المبنية على الفطرة نفت الحَرَج والشدّة عن هذه الأمة المرحومة، وجعلت التكليف بالوُسْع صفة مستمرة لهذا الدين.  وآيات القرآن الكريم في ذلك صارت مثلاً يُضرب، فمن ذلك قولُ الله تعالى: ﴿لا يُكَلِّف الله نفساً إلا وُسْعَها﴾ [البقرة 286]. وقولُه أيضاً: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ [التغابن 16]. وقرّرت السنة هذا الأمر وأرست قواعده، ففي الحديث الصحيح: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". ومما فَصَّله النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله: "صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جَنْب". فشريعة الإسلام جاءت لتحافظَ على توازن الإنسان ووسطيته، ولتعملَ على تهذيبه لا تعذيبه، لذا لا تكليف مع العجز، والاستطاعة شرط للتكاليف باتفاق الفقهاء. ولذوي الأعذار في شرعة الإسلام سَعَةٌ فطرية لم تُعهد في شريعة سماوية ولا في قانون أرضي، قال سبحانه وتعالى: ﴿يريد الله بكم اليُسْر ولا يريد بكم العُسْر﴾ [البقرة 85].      والمقصد العام للشارع الحكيم تحقيق مصالح الناس في الحياة، بجلب النفع لهم ودفعِ الضر عنهم. واستخلص العلماء من ذاك المقصد الجليل قواعدَ كليةً كبرى بُني عليها الشرع الحنيف، منها القاعدة المشهورة: (المشقة تجلب التيسير)، وهي من أوضحِ مظاهرِ رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، وأنه لا تكليف إلا مع الإطاقة. فالاستطاعة لُبٌّ من لُبَاب الحَنِيفيّة، وقاعدةٌ من قواعد الدِّين، وهي شعارُ الفطرة الخالصة، ومَنَارُ الرحمةِ والتيسير. والاستطاعة راسخة في الدين، مطّرِدةٌ في شرائعه، مستوعِبةٌ لأحكامه. وهذا ما سيوضحه هذا البحث.

Sign in / Sign up

Export Citation Format

Share Document